رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ
أكتوبر 3, 2023
A-
A+
لم يكن عروسا قرقوش يعلمان ان احتفالهما بزفافهما سيتحول الى مادة يتناولها الرأي العام، ليس فقط في العراق، انما في العالم بأسره. ففي الصالة التي كانت تتسع لخمسمائة مدعو/ة، حدث ما لم يكن في الحسبان. تحول العرس الى فاجعة، الى مأتم، الى كابوس.
ليل السادس والعشرين من شهر ايلول الفائت لم يمر عادياً!
فيما كان الاحتفال قائماً، والعروسان يرقصان على انغام الموسيقى، شب حريق في قاعة العرس واودى بحياة اكثر من مئة ضحية. وفي التفاصيل، اعلنت وزارة الداخلية العراقية ان مواداً سريعة الاشتعال كانت السبب في نشوب الحريق وتمدده، حيث تم اشعال الالعاب النارية داخل القاعة باستخدام 4 اجهزة في الوقت عينه ما ادى لاشتعال المواد الحساسة بسرعة كبيرة، اودت بحياة 107 شهيداً وشهيدة وفق ما اعتبرتهم لجنة التحقيق الرئيسية التابعة لوزارة الداخلية العراقية.
كذلك نفت الداخلية ان يكون الحريق “متعمداً ” خلافاً لما تناقله بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة ان السبب الاساسي هو الاهمال خصوصاً مع غياب “ابواب للطوارئ”.
وأضافت، انه وبعد التحقيق، مع صاحب القاعة، عمدَ الأخير الى قطع التيار الكهربائي، ظنا منه أن الحريق نشب على اثر “التماس” كهربائي ما تسبب بحالة ذعر وهلع بين المدعوين، مما زاد احتمالية تمنعهم من الهروب من القاعة.
لم يكن القدر وحيدا في جعل منطقة قرقوش منكوبة، فقد شهدت اقليات سهل نينوى صراعاً اقليمياً ومحلياً منذ عقود خصوصاً بعد عام 2003 اذ وجدت نفسها محاصرة وسط اعمال العنف وفي المساومات السياسية.
ومع استيلاء مسلحي” تنظيم الدولة الاسلامية”، على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى في العام 2013، فرت الاقليات باعداد غفيرة الى قرى سهل نينوى”تلكيف” و”الحمدانية” و”بعشيقة”… ومنذ ذلك الوقت، وهذه الاقليات تتعرض للهجمات ولتدمير دور عبادتها على ايدي متطرفين من تنظيم الدولة الاسلامية، وحتى من الحشد الشعبي الايراني.
اقليات قرى سهل نينوى عانت ولا زالت تعاني الامرين، فمن هم؟
عانى مسيحيو هذه المنطقة الذين هم بغالبيتهم من الكلدانيين والاشوريين من الاضطهاد والقتل والتهجير، اذ انخفض عددهم الى الثلث منذ أحداث 2003.
اما “الايزيديون”، لاقوا هجمات عنيفة شنتها الجماعات المتطرفة، كان اخرها هجمات القتل والسبي للعديد من الرجال والنساء.
“الشبك” هم بغالبيتهم من الطائفة الشيعية، يعتبرهم المتطرفون مرتدين عن الدين الاسلامي وهم يعيشون اضطهاداً من العرب والاكراد على حد سواء.
ينقسم “التركمان” بين شيعة وسنة، وقد تميزوا بتقاليدهم الخاصة، وبعد سيطرة تنظيم داعش، فرّ عدد كبير منهم الى المنطقة الكردية.
“الصابئة المندائيون” عرفوا بعدم انتمائهم للمليشيات لحمايتهم، لذلك هم يعيشون خطر الانقراض بسبب مغادرة حوالي 90 بالمئة منهم البلاد منذ غزو العراق سنة 2003.
اقلياتٌ قُتِلت باسم التطرف، وغادرت معظمها البلاد –مرغمةً – بحثاً عن الامان. الارض ليست حجراً وتراباً، الأرض حب وتعلق… وتحت راية الانتماء، ورغم كل الاضطهاد الذي عانت منه اقليات سهل نينوى على مر العقود، ما ان تهدأ الاحوال حتى يعود ابناؤها اليها ليعيدوا إعمارها.
ولكن كم من ألم وتهجير وقتل واضطهاد وسبي، بعد ينقص هذه البقعة من الارض؟ ألم يكفها ما حل بها باسم الدين والتطرف والتوسع والتمدد وبسط السلطة… حريق هائل في ليلة الزفاف… في الليلة التي كان يفترض بها ان تكون ليلة العمر! أهو الاهمال والفساد وقلة الضمير… أم أن بعض الشعوب كُتِبَ لها الكفاح والمقاومة المستمرّة؟
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي