ميشال معوّض لـ”نقِد”: حان الوقت أن نصالح مفاهيم 14 آذار بمفاهيم 17 تشرين

مارس 14, 2024

A-

A+

تطفئ 14 آذار شمعتها الـ19 وسط انحسار ما تبقى من قوتها السياسية، ليبقى نبض تلك “الثورة” حيًا لدى بعض القوى التي تسعى فرادى إلى رفع عناوين المواجهة المستمرة ضد سيطرة “حزب الله” وحلفائه على لبنان.

19 سنة على ثورة الأرز، يوم صرخ أكثر من مليون ونصف مليون لبناني، “حريّة سيادة واستقلال”، لكن في الوقت الحاضر، وفي ظل خطف قرار الدولة وسيادتها وأمنها، حيث بات السلم والحرب بيد ميليشيا مسلحة، تقرر عن الدولة والحكومة واللبنانيين متى نعيش بسلام ومتى نعيش بحرب، يتجدد السؤال عما تبقى من تلك الشعارات ومن ثورة الأرز في ظل الظروف الراهنة.

وبمناسبة هذه الذكرى، أجرى فريق نقِد مقابلة مع رئيس حركة الاستقلال النائب ميشال معوّض. يأتي هذا الحوار ضمن سلسلة من المقابلات التي أجراها فريق نقِد مع عدد من الشخصيات المرتبطة بنضال 14 آذار.

شو صار بملف التحقيق باغتيال الرئيس رينيه معوّض؟

ملف التحقيق باغتيال الرئيس رينيه معوّض ورفاقه يضم ورقة واحدة وهي وثيقة الوفاة، وهذا الأمر لسوء الحظ يؤكد الارتباط العضوي بين جميع الاغتيالات والجرائم التي وقعت بعد الحرب اللبنانية، بما في ذلك اغتيال لقمان سليم وصولاً لتفجير المرفأ. وما يربطها ليس فقط بأن هناك جهة واحدة عملياً وراء هي كل هذه الاغتيالات، بل كل هذه الجرائم إرتُكبت بوجه مشروع قيام دولة فعلية في لبنان، ومن أجل ذلك هناك ارتباط عضوي بين التقدم بموضوع العدالة والتقدم بمعركة السيادة. كلما تقدمنا بمعركة السيادة كلما تمكنّا من تثبيت معركة العدالة، وكلما كانت الدولة مخطوفة ستبقى العدالة غائبة.

ما القاسم المشترك بين اغتيال والد وعرقلة انتخابك رئيساً؟

القاسم المشترك هو منع وصول مشروع قيام الدولة في لبنان، دولة سيّدة على أراضيها، دولة القانون والمؤسسات، وتحترم كرامة المواطن وحقوقه، هذا ما يمنعونه من الوصول. وعندما يتمكنون منعه بالـ”منيح”، أي من خلال العرقلة يمنعونه بالتعطيل وعندما لا يتمكنون من منعه بطريقة التعطيل يمنعونه بالقتل والدم.

شو صار اليوم بـ14 آذار؟

14 آذار هي 3 أمور، قضية وفكرة وتحالف سياسي عريض لترجمة هذه القضية لمشروع سياسي. ليس بالسرّ أن التحالف السياسي انضرب نتيجة التسويات والمساومات لكن القضيّة لا تزال موجودة والفكرة أيضاً.

القضيّة هي قضيّة لبنان السيّد، ودولة لا يتم احتكار فيها السلاح والقارار الاستراتيجي من قبل طرف معيّن، هي قضيّة الهويّة اللبنانية، التعددية، والديمقراطية المبنية على الحريّة والانفتاح، هي قضيّة تكوين دولة فعليّة، دولة القانون والمؤسسات بمفهوم الشهابي حيث يكون الموظف يعمل للدولة اللبنانية وليس للزعيم الحزبي والطائفي، هي قضية اصلاح والعيش بكرامة.

وهذه القضيّة لا تتحقق إلا بتحالف واسع عابر للطوائف، فلا يمكن خوض المعركة من قبل الطرف المسيحي فقط أو السنّي أو الشيعي أو الدرزي بل يجب خوضها لبنانياً، وبقدر ما التحالف انضرب إنما القضيّة والفكرة لا تزال حيّة والمليون ونصف لبناني الذين كانوا في الساحات لا يزالون هنا موجودون ومؤمنون بهذه القضيّة ولكن بانتظار هذا التحالف الواسع واطار واسع لاستعادة السياسة والدولة والاصلاح.

بعد 14 آذار و17 تشرين، هل يجب الاقتناع بأن الثورات غير فعّالة في لبنان؟

العكس تمامًا، فالثورات والانتفاضات هي التي قامت بالفارق الأساسي. ثورة الأرز هي التي أخرجت السوري من لبنان وجلبت المحكمة الدولية، على الرغم من عدم تحقيق العدالة من خلالها، إلا أننا عرفنا الحقيقة.

تشرين هي بداية لتغيير مفاهيم المحاسبة في لبنان، وهنا الأساس. ما قبل 17 تشرين الفاسد كان قبضاي والآدمي معتّر، أما 17 تشرين فقد أضاءت على هذه المفاهيم وبدأت بتغييرها في لبنان. المشكلة ليست في الثورات التي أنجزت، بل في الترجمة السياسية لهذه الثورات. المعركة يجب أن تكون في تصحيح هذه الترجمة لمنع تشتتها وتوضيح رؤيتها، لكي نتمكن من ترجمة سياسية لما بدأته هذه الثورات. حان الوقت أن نصالح مفاهيم 14 آذار بمفاهيم 17 تشرين، فالسيادة والإصلاح توأمان، فلا سيادة من دون إصلاح ولا إصلاح من دون سيادة، إذا بقيَ قرار الدولة مخطوفًا.

لو بتنعاد 14 آذار اليوم، ما يجب تغييره لتحقيق أهداف مستدامة أكثر؟

القناعة عند الجميع بأننا لا يمكننا خوض معركة طائفية أو حزبية للوصول إلى أهدافنا، بل يجب أن تكون معركة عابرة للطوائف والأحزاب ولبنانية مئة بالمئة. معركة السيادة لن تكتمل إذا لم ننتقل إلى الدولة، لأنها ستتحول بسرعة إلى معركة اصطفافات سياسية وتسويات. ما يجب أن نتعلمه من ثورة الأرز، أنها أسست لجهوزية داخلية عابرة للطوائف وهذا ما جعلها ناجحة، ولكن عندما دخلنا في صلب العبور للدولة، أصبح الأمر عبورًا للسلطة مبنيًا على التحاصص مما أحبط فكرة 14 آذار. ولذا، السيادة والاصلاح هما توأمان لا ينجحان إلا مع بعضهما البعض.

كيف يمكن إعادة الأمل للشباب اليائس بأن لبنان سيتحسّن؟

لو كنا اليوم في كانون الثاني 2005، وقلت لك أننا سنقوم بعد أشهر قليلة بثورة شعبية كبيرة ستخرج السوري من لبنان، كنت ستقول أنني ليس لدي رؤية سياسية وغير واقعي.

التغيير في لبنان ممكن وهو دائمًا ناتج عن تقاطع بين جهوزية داخلية ونتيجة لظروف إقليمية ودولية. يجب أن نستكمل الجهوزية الداخلية، والمشكلة اليوم هي التشتّت. يجب أن نجمع بعضنا لنسترجع سيادة الدولة وحكم القانون وأسس العدالة.

الشباب اللبناني يعرف تمامًا ما يريد. ببساطة، يريد أن يكون لديه حقوق كمواطن في لبنان، وعندما تريد الدولة أن تتخذ قرارًا كبيرًا مثل قرار السلم والحرب، يجب أن يكون شريكًا في هذا القرار من خلال المؤسسات التي انتخبها. يريد أن يحقق ذاته وينجح كاللبنانيين الذين نجحوا في دول العالم. اللبناني يريد أن ينجح في بلده وأرضه، ويريد أن يشعر بأن الفاسد يدخل السجن ويحاسب، كما يريد أن يعيش في استقرار وأمن وسلام، وألا ينسرق أمواله وبيته يتفجّر ولا أحد يتحاسب. المطلوب اليوم من الجميع أن يتحمّلوا مسؤولياتهم، وأن نمد يدنا لإطار واسع، وبالتشتّت لن نصل إلى نتيجة.

وهذا ما يمكن أن يحدث الفرق، ولا يستطيع أحد منفردًا تحقيق تغيير وبناء الدولة.

شاهدوا كامل المقابل عبر قناتنا على منصة يوتيوب:

    الأكثر قراءة

    اقرأوا المزيد من المقالات لهذا الكاتب