عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا
سبتمبر 13, 2023
A-
A+
كل يوم أسأل نفسي، أيحبنا لبنان بقدر حبنا له؟ وكل يوم استفيق من نومي آملاً ان اعرف الجواب. ولكن اسأل أيضاً لماذا يكرهنا؟ ماذا اقترفنا وما هي الخطيئة التي كانت وراء هذا الكره كلّه؟ الست اجزم هنا الجواب وأصر على كره لبنان لنا؟ هل هناك جواب واحد وجاهز لهذا السؤال؟ وهل يجب عليّ حقًا البحث عن الإجابة أم أن السؤال ذاته يكفي؟
أليس من المفترض أن أسأل: أحب لبنان بقدر ما يستحق من الحب؟ الجواب: لا أعلم. ولكن ما اعلمه ان لبنان الذي اعيش فيه اليوم بات غريباً، كهلاً ومريضاً، العنف والقتل أصبحا جزءًا من حياتنا اليومية، حتى أن رائحة الموت أصبحت تلفح أنوفنا بلا رحمة.
لبنان الذي من المفترض ان يحبني بقدر حبّي له بات مصدراً للتروما والخوف والقلق لي ولجميع ابنائه. استفيق كل يوم والعرق يتصبب مني نتيجة كوابيس تراودني كل ليلة. ظلام دامس! اركض في شوارع بيروت المدمرّة والموت في كل مكان وسواد عظيم بعيون حمراء مستشرسة يلاحقني ويركض خلفي وأنا أهرب منه، يريد خنقي، يريد قتلي، يريد موتي. لا اعلم ماذا يريد مني ولماذا يلاحقني ولماذا كل هذا الغضب والكره تجاهي! واستفيق فجأة من الحلم وصوتي بالكاد يخرج الى العلن.
أمي التي ومنذ أول الأزمة تحاول اقناعي وأخي بالهجرة خوفاً من الموت وعلى مستقبلنا المجهول، تستفيق كل يوم من كابوسها وهي تشاهد اولادها يموتون إمّا برصاصة طائشة أو بحادث سير على طرقاتنا المجبولة بالحفر والخنادق والموت. وماذا اخبر عن أبي الذي لا ينام قبل ان يتأكد من وصولنا الى المنزل بخير وسلامة؟ ماذا اخبر عن أبي الذي سرقت امواله وشقاء عمره كجميع اللبنانيين من دون اذن او دستور. هو الذي يستفيق باكراً كل يوم لينزل الى المصرف مستعجلاً آملاً ان يلحق الدور ويتمكن من تحصيل فتات الاموال.
التروما باتت رفيقة دربي، لا أدرك منذ متى بالتحديد، اذا خلال فترة كورونا او بعد تفجير العاصمة او نتيجة الزلزال الذي لا زلت حتى اليوم اتوهّم ان الارض ترتعش تحت قدميّ.
وكيف لهذه التروما ان تتخلى عنّي وانا ما زلت في وطن الازمات والأحداث اللامتناهية والصراعات الاقليمية والدولية والكونية على هذه البقعة التي لا تتخطى مساحتها الـ١١ الف كلم مربّع؟
حبّي للبنان كعشق التروما لي ولجميع اللبنانيين الذين يعيشون على هذه الارض ويصلّون كل يوم ألا يقتلون بتفجير غامض او برصاصة طائشة، او بسلاح اللاجئين والميليشيات او نتيجة مرض وفقدان العلاج له. ولكن خوفي من مغادرة هذا البلد الى المجهول بات افضل بكثير من البقاء في هذا المستنقع الذي يحاول كل يوم ان يغرقني الى الاسفل.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي