استراحة مقاتل إسرائيلي

انتهت الحرب في غزة، لكن النار لم تنطفئ تماماً… انتهت فعلياً بنتائج مؤجلة، وبحرب أخرى تنتظر موعدها المقبل. حُسمت المعركة من دون أن يُعلن النصر، ورُسمت ملامح “اليوم التالي” في غزة — يوم بلا حماس، بلا سلاح، وبلا سلطة كما كانت.

هكذا يبدو المشهد بعد مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي تتقاطع مع ما حصل اليوم في اجتماع باريس الأوروبي – العربي – الدولي. الرسالة واضحة: غزة الجديدة لن يكون فيها مكان لحركة حماس.

نهاية تراجيدية لحماس

تدرك الحركة أنها وصلت إلى مفترقٍ وجوديّ خطير. فبعد تسليم الأسرى الإسرائيليين، ستجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما تسليم سلاحها بالكامل والخروج من الصورة نهائياً، أو مواجهة استئناف آلة الإبادة الإسرائيلية بأقصى درجاتها.

المرحلة الأولى من الاتفاق تقوم على معادلة قاسية: وقف مؤقت للإبادة مقابل تسليم الأسرى الأحياء. بهذه الخطوة، تحقّق إسرائيل “نصراً نفسياً” ضخماً، إذ تستعيد أسراها مقابل إطلاق نحو ألفي سجين فلسطيني فقط — على الرغم من أن عدد المعتقلين الفلسطينيين ارتفع من 1500 قبل طوفان الأقصى إلى أكثر من 11 ألفاً اليوم، بينهم 400 طفل.

هذه الأرقام تفضح عمق الخسارة الفلسطينية، وتؤكد أن ما يُسمّى “اتفاق غزة” لا يعدو كونه هدنة قصيرة الأجل في حرب طويلة الأمد.

مبادرة ترامب: النسخة الدموية من بايدن

ليست هذه المبادرة الأميركية الأولى من نوعها. لكنها هذه المرة تأتي على رماد غزة، بعد رفع إسرائيل منسوب التدمير والتجويع إلى حدود غير مسبوقة عبر عمليات “عربات جدعون” ، بضوء أخضر أميركي، وبصمتٍ عربي واضح. الرسالة الإسرائيلية ـ الأميركية كانت صريحة: استسلام حماس أو الإبادة الشاملة.

ومع انهيار موازين القوى، ودخول الجيش الإسرائيلي إلى قلب مدينة غزة، لم يعد أمام حماس سوى التراجع. القبول بالاتفاق، في هذا السياق، هو اعتراف ضمني بالهزيمة.

الاتفاق، عملياً، يُحرّر حكومة نتنياهو من ضغط الشارع وعائلات الأسرى، ويفتح أمامها الباب لاستئناف حرب أكثر عنفاً. سيكون وقف النار في غزة شبيهاً تماماً بوقف إطلاق النار في لبنان: لا انسحاب كاملاً، لا ضمانات دائمة، وعمليات اغتيال مستمرة للقيادات.

إسرائيل ستبقي على نقاطها الاستراتيجية، وستواصل غاراتها الموضعية، لتُجهز على ما تبقّى من بنية حماس.
حتى في إعادة إعمار غزة، فالشروط الإسرائيلية واضحة: بلا حماس، بلا سلاح، بلا أنفاق، وبلا سلطة معادية. ولا يهم إن كانت القوة الأمنية مصرية، أردنية، إماراتية أو دولية؛ الأهم بالنسبة لتل أبيب هو إقصاء السلطة الفلسطينية نفسها عن المشهد في غزة.

أما الضفة الغربية؟ فدورها في المخطط آتٍ لا محالة، في توقيت تختاره إسرائيل وحدها.

“اليوم التالي” يبدأ من باريس

في باريس، يجتمع وزراء خارجية أوروبا والعالم العربي، إلى جانب تركيا وكندا وإندونيسيا، لتفعيل “اليوم التالي لغزة”. اللافت أن الولايات المتحدة غائبة عن هذا الاجتماع، بطلب من الحكومة الإسرائيلية نفسها، التي تعتبر أن هذا المؤتمر يشكل “خدمة مجانية” لحماس.

باريس تصرّ على أن المبادرة امتداد للجهود الأممية السابقة نحو “حل الدولتين”، بينما تكرر الموقف ذاته: لا مكان لحماس في مستقبل غزة.

استراحة مقاتل

تقول التجارب في لبنان وغزة إن ما نعيشه اليوم ليس نهاية الحرب، بل استراحة مقاتل. فإن لم تُسلّم حماس كل أوراقها، فإن ما ينتظرها لاحقاً سيكون أعتى وأقسى. وكما يقول المثل الشعبي: “يلّي بيكويه الحليب بينفخ عاللبن” وغزة تعرف جيداً أن الآتي… أسوأ من كل ما مضى.