17 تشرين مسار وعيٍ لاسترجاع لبنان

الثورة ليست شعاراً يُرفع، ولا فورة غضب عابرة.
هي وجع متراكم تحوّل إلى وعي… ووعي تحوّل إلى صرخة.
الثورة ليست هدفاً بحد ذاتها، ولا وسيلة عبثية للفوضى.
هي فعلُ حبٍّ للوطن، تمرّدٌ على الظلم، وصوتُ إنسانٍ قرّر أن يقول “كفى” بوجه من اعتبروا أنفسهم فوق القانون… من ظنّوا أنهم untouchables!

الثورة ليست لكسر القوانين، بل لإصلاحها.
ليعود القانون مظلة عدل، لا سيفَ ظلم.
هي ليست شغباً في الشوارع، بل صحوة ضميرٍ في وجه سلطةٍ نامت على وسادة الفساد.
هي نداءُ شعبٍ أراد دولةً لا طوائف، مواطنين لا زعماء.

17 تشرين… صرخة لبنان الموجوع

في بلدٍ أنهكته الطائفية والمصالح، خرج الناس إلى الساحات بلا خوف.
نساءٌ وشبابٌ وشيب، بقلوبٍ مكسورة وأحلامٍ مرفوعة، ليقولوا إن الفساد لم يعد قدراً.

ثورة 17 تشرين لم تكن ضد شخص، بل ضد منظومةٍ خنقت الأمل وأطفأت الضوء في عيون اللبنانيين.

ثارت في وجه السارقين، في وجه من باعوا الدولة، وفي وجه الانهيار الأخلاقي قبل المالي.

كان هدفها واحداً: أن يعود لبنان وطناً يليق بأبنائه، على أسس المساواة والعدالة.

من قال إن الثورة فشلت؟

ربما لم تصل إلى السلطة،
وربما لم تغيّر كل الوجوه،
لكنها غيّرت العقول، وهزّت الضمائر، وفتحت أعين اللبنانيين على حقيقتهم وقوتهم.
الأرقام الانتخابية كانت شاهدة أن الشعب مع التغيير،
حتى لو خان بعض النواب الأمانة لاحقاً.

من قال إن الثورة انتهت؟
إنها لا تموت… بل تتبدّل أشكالها.
تعيش في وجدان الناس، في كل من يرفض الذل، وفي كل من يصرخ “بدنا نحاسب!”

ما زرعته الثورة… يزهر اليوم

من رحم 17 تشرين خرج خطابٌ جديد، خطاب وطني سيادي، سمعناه في قَسَم الرئيس، وفي أداء حكومةٍ تتجرأ على الكلام عن دولةٍ بلا سلاح خارجها، عن قضاءٍ مستقل، وعن إدارةٍ شفافة.

لم يكن ذلك صدفة، بل ثمرة وعيٍ بدأ يوم نزل الناس إلى الشوارع حاملين الأعلام لا الرايات.

بفضل ثورة 17 تشرين، صار “المساءلة” مفهوماً شعبياً، وصار القاضي المستقل حلماً قريباً.

صارت السلطة تعرف أن عيون الناس عليها، وأن زمن الصمت انتهى.
لم يعد ممكناً أن يعود جيل الميليشيات أو المصارف الفاسدة، لأن الوعي الشعبي أصبح الحارس الأول للجمهورية.

الثورة التي فتحت الأبواب

ربما الطريق طويلة،
لكن الثورة بدأت رحلة الألف ميل.
ككل ثورات التاريخ، تحتاج إلى وقت، إلى تراكم، إلى نضج.
الثورة الفرنسية احتاجت ثمانين عاماً لتحصد ثمارها، فكيف بثورة صغيرة في بلدٍ محاصر؟

ومع ذلك، زرعت تشرين في كل بيتٍ بذرة أمل، وفي كل قلبٍ شعلة حرية.
أنجزت على الأرض الكثير: من قطع الطرقات، إلى الاعتصامات، إلى المطالبة بالعدالة في كل إدارة ومؤسسة.
ومن رحمها وُلدت فكرة التوحّد الشعبي خارج الاصطفاف الطائفي.

إما الإصلاح… أو الموجة الثانية

الثورة ليست ذكرى، بل وعدٌ لم يُستوفَ بعد
إن تحقّق الإصلاح، فلبنان سيولد من جديد بدولة القانون والمواطنة.
أما إن عادت السلطة إلى غيّها، فالموجة الثانية قادمة لا محالة.
ثورةٌ أعنف، أنضج، أعمق… ثورة بناء لا هدم، ثورة إحياء لا انتقام.

ثورة 17 تشرين ليست حدثاً في الماضي، بل وجدانٌ يعيش في الحاضر… ويمتد نحو مستقبلٍ اسمه لبنان.
لبنان الذي نحلم به:
حرّ، سيّد، عادل…
لبنان الذي لا يُهان فيه أحد، ولا يُستثنى فيه أحد، ولا يكون فيه أحد فوق الوطن.