صوت الحقيقة ضائع وسط زخم الأكاذيب

أكتوبر 17, 2024

A-

A+

تتبدّى معاناة الشعوب في أوقات الأزمات، حيث يصبح الإعلام سلاحاً يغيّر مجرى الأحداث. خلال الحرب الصعبة التي يمرّ بها لبنان مع العدو الإسرائيلي، انتشرت الأخبار الزائفة كعاصفة مدمّرة، مستفيدة من سرعة انتشار المعلومات وفوضى وسائل التواصل الاجتماعي، في حين ينشغل البعض في سباق تحقيق السبق الصحفي، لتُستخدم هذه الأخبار المضلّلة لتقويض المعنويّات وزرع الفتنة، ممّا يزيد من معاناة الشعب اللّبناني. في هذا الإطار، يلعب الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في تعزيز روايات مغلوطة، مما يستدعي وعيًا جماعيًا لمواجهة هذه الظاهرة وحماية الحقيقة في زمن الحروب.

بدوره، رأى الصحافي داوود إبراهيم في حديث خاص ل”نقد”، أن “زمن الحرب هو جنة الأخبار المضلّلة أو الكاذبة، موضحاً أن السبب يكمن في سرعة النشر والبحث عن سبق صحفي حتى لو كان على حساب الأرواح والدمار. وشدّد على أن سرعة النشر توسّع هامش الخطأ وتتيح نشر أخبار من دون تدقيق وأحياناً كثيرة يتّضح أنها كاذبة أو مفبركة لغايات مختلفة.

وأشار إبراهيم إلى أنّ هذه الأخبار المضلّلة تلعب دوراً في المعركة، حيث تسهم في إحباط المعنويات وبثّ الفتنة والخوف، معتبراً أنّ ما يلعب الدور الأخطر هو وجود انقسامات تدفع البعض لتوظيف الأخبار المضلّلة في معاركها أو حساباتها الداخلية”. وأضاف: “في بعض الأحيان سعي البعض للتميز يدفعه إلى تبني هكذا أخبار لسرعة انتشارها وغرابتها او حجم تأثيرها من دون اعتبار لصحّتها فالأهم بالنسبة للبعض هو تأثير هذه الأخبار وحجم التفاعل الذي تلقاه”.

في السياق نفسه، لفت إبراهيم إلى أهميّة التدقيق في روايات الإعلام الغربي حول الأحداث، موضحاً أنّ “هذا الإعلام غالباً ما يتبنى رواية العدو الإسرائيلي من دون أيّ تشكيك”. كما ذكّر بإشاعة سابقة زعمت أنّ حركة “حماس” قطعت رؤوس الأطفال في غلاف غزّة، وهو خبر سمعناه على لسان الرئيس الاميركي جو بايدن قبل أن يتّضح عدم صحّته وأنه استخدم كأداة في الحرب النفسية لحصد التضامن العالمي بغض النظر عن صحته.

 وتأسف إبراهيم أن “أغلب المنظمات الدولية التي تهتم بموضوع التحقّق من الأخبار وكانت نشطة في الحرب الروسية الاوكرانية يمكن رصد تهاونها بل وعدم انخراطها الفعلي في تفكيك الرواية الاسرائيلية الكاذبة، كون هذه المؤسسات تعمل بتمويل حكومي غربي وهذا التمويل له أجنداته الخاصة”.

وشدد إبراهيم على الأهمية البالغة التي تكتسبها مواقع التواصل الاجتماعي، محذراً من مغبة الاستهانة بدورها. وأوضح أن هذه المنصات كثيراً ما تتجاهل الفبركات الغربية والإسرائيلية، في حين تقوم بحجب الصور الحقيقية عندما تكون إسرائيل هي المسؤولة. كما أشار إلى صورة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، التي نشرها حساب إسرائيلي على منصة إكس، حيث يظهر بجانب صاروخ من صنع الذكاء الاصطناعي، دون أن يُشار إلى أنها مزيفة. وهذا يعد دليلاً إضافياً على تأثير مواقع التواصل في الحرب النفسية. كما لفت الانتباه إلى ممارسات شركة ميتا، التي تقوم بحجب الروايات التي تتعارض مع الرواية الإسرائيلية، مما يتيح للعدو نشر الأكاذيب والمعلومات المضلّلة بلا أي رقابة.

وشدد إبراهيم على أنه من الضروري التنبه إلى دور التطوّر التقني في تزييف ونشر وإعادة نشر الأخبار المضلّلة، موضحاً أن الحسابات المفبركة والتشات بوت التي تدير آلاف الحسابات وتنتج الصور بالذكاء الاصطناعي تلعب على المشاعر والوعي والعواطف بناء على دراسات اشتغلت عليها منصات التواصل الاجتماعي طويلاً.

واختتم إبراهيم قائلاً: “إنها الأخبار المضلّلة في زمن الحروب وهي سلاح قائم بذاته ويستخدمه العدو بتسهيل ودعم من القائمين على منصات التواصل الاجتماعي وبالتعاون مع الإعلام الغربي الذي أعلن أكثر من مرّة أنه يتعامل مع كل انتقاد لإسرائيل وجرائمها على أنه معاداة للسامية. هذا ما نجد أنفسنا بمواجهته وهذا ما علينا التصدي له حرصاً على مصداقيتنا وإيماناً بدورنا كإعلام حرّ يتبنى قضيّة الإنسان أينما كان”.

من جهته، أشار الصحافي محمود غزيّل إلى أن الأحداث الراهنة تمثل خطراً كبيراً يتمثل في نشر الفتن والمشاكل بين أبناء الشعب الواحد، مما يؤدي إلى زيادة التفرقة والعنصرية والتطرف في الأفكار والمواقف بين المجموعات المختلفة. كما نبه إلى إمكانية تضخيم الأحداث، مما يسبب هلعاً أكبر لدى الناس خلال فترات الحرب. وأوضح أن هناك شائعات تتعلق بتهديد مناطق جديدة بالقصف، وعند البحث والتدقيق تبين أنها أخبار زائفة تهدف فقط إلى التخويف.

كما شدد غزيّل على أهمية عدم تصديق أي أخبار يتم تداولها خلال هذه الأزمة، خصوصاً عبر مجموعات الواتساب أو منصات التواصل الاجتماعي. ودعا إلى مراجعة منصات مختصة في تدقيق المعلومات، مثل “صواب”، أو الاعتماد على صحافيين يتابعون الشأن العسكري والمؤسسات الرسمية المعروفة.

كذلك، أكد غزيّل على الدور الهام لوسائل الإعلام خلال الأزمات، مشيراً إلى ضرورة تدقيق أي معلومة أو خبر قبل نشره، حتى لو كان عاجلاً. ولفت إلى أن العديد من وسائل الإعلام الكبرى قامت بنشر أخبار غير دقيقة ومضللة، مما قد يقلل من مصداقيتها ويجعل أخبارها موضع شك لدى المتابعين.

في ختام هذا التحليل، يتّضح أن الإعلام، سواء كان تقليدياً أو حديثاً، يحمل مسؤولية كبيرة في تشكيل الوعي العام خلال الأزمات. فبينما تمثل الأخبار الزائفة تحدياً حقيقياً، فإن الوعي الجماعي والقدرة على التحقق من المعلومات تصبحان ضروريتين أكثر من أي وقت مضى. ويجب على المجتمع أن يتكاتف لمواجهة هذا السيل من التضليل، حفاظاً على الحقيقة. في زمن الحروب، لا بد من أن تكون لدينا حاسة فطرية للتمييز بين الحقيقة والزيف، لتكون صوتنا في زمن الضياع.