سوريا تُثقَل بالديمقراطية المقنّعة

سوريا تُثقَل بالديمقراطية المقنّعة

ستُقام أول انتخابات في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وذلك بين 15 و20 أيلول المقبل.

هذا الشعب الذي عانى طويلاً من القمع والتعذيب والخطف على يد حكومة الأسد، وحُرم من حقه في الديمقراطية واختيار ممثليه وحتى من إبداء رأيه، سيشهد أخيراً تجربة انتخابية. وللمرة الأولى بعد سقوط النظام، سيتمكّن المواطن السوري من ممارسة الديمقراطية وحرية الاختيار التي ناضل من أجلها، ودفع ثمنها دماء الشباب والنساء والأطفال في سبيل تحقيقها.

لكن، هل نال السوري فعلاً الديمقراطية الحرة ليصبح شريكاً سياسياً ومصدراً للسلطات كما تقتضي المبادئ الدستورية؟ أم أننا سنكون أمام ديمقراطية شكلية تُستخدم كواجهة، بينما في جوهرها تُعيد إنتاج سلطة هجينة تتزيّن بمظاهر ديمقراطية من الخارج لكنها تبقى سلطوية في الداخل؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، لا بدّ أولاً من توضيح معنى الديمقراطية حتى نتمكّن من مقارنتها بالواقع السوري. فأصل كلمة “ديمقراطية” يعود إلى اللفظ اليوناني “Demoskratos”، المكوَّن من كلمتين: “Demos” وتعني الشعب، و”Kratos” وتعني السلطة. وبذلك يكون معنى الديمقراطية “الحكم من قبل الشعب.

واستناداً إلى هذا المعنى، ألقى الرئيس الأميركي إبراهام لينكون في خطابه الشهير بـ Gettysburg العام 1863، خلال الحرب الأهلية، عبارته الخالدة: “حكم الشعب، بواسطة الشعب، ومن أجل الشعب”.

وعلى وجه العموم، تُعَدّ الديمقراطية وسيلة لاتخاذ القرار الجماعي، تقوم على مبدأ مساواة المشاركين، وهي نظام حكم يشارك فيه أفراد المجتمع بأسره – لا قلّة محدودة – في مناقشة القضايا العامة وصناعة القرار.

وبعد أن أوضحنا مدلول مصطلح “الديمقراطية”، سننتقل الآن إلى ما توصّلت إليه حكومة “الشرع” لنرى أيّ شكل من الديمقراطية قدّمته للمواطن السوري.

الإشكالية الحقيقية تكمن في أن الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها لن تجعل من المواطن السوري شريكاً فعلياً، بل تم تهميشه بالكامل. فقد خُصص 210 مقاعد للنواب، يعيّن الرئيس منها 70 عضواً، فيما يُنتخب الباقون عبر هيئات ناخبة تُشكّلها لجان فرعية تختارها بدورها اللجنة العليا للانتخابات، وهي لجنة مقرّبة من أحمد الشرع. وهكذا يجد المواطن السوري نفسه من جديد ضحيةً لقمع الحرية، ليعود إلى دائرة السلطوية التي ثار ضدها. وناهيك عن قرار اللجنة العليا للإنتخابات البرلمانية بتأجيل الإقتراع في محافظات الرقة والحسكة شمال سوريا والسويداء جنوباً، التي تمثل نحو 10% من إجمالي مقاعد مجلس الشعب مرجعة القرار إلى دواعي أمنية.

فإذاً، ما الذي يكمن وراء كل هذا الأمر؟

 إن تعيين الرئيس لـ70 عضواً من أصل 210 سيؤثر حتماً على توازن القوى داخل المجلس ويُعزّز نفوذه على قراراته. أما تأجيل الانتخابات في ثلاث محافظات، فهو إقصاء سياسي واضح يثبت أن السلطة السورية لا تزال تُدار بعقلية الإقصاء والتفرّد بالقرار، مستنسخةً نهج الرئيس السابق في إدارة الشأن العام. إن استبعاد هذه المحافظات تحديداً يهدف إلى تركيز القرار في دمشق، نظراً لأن هذه المناطق تحمل رؤية مختلفة تقوم على الديمقراطية والعلمانية، وأي مشاركة فعلية لها قد تسهم في فرض قرارات جديدة على المستويين الإداري والسياسي.

واقترحت اللجنة العليا للانتخابات عدة حلول بخصوص المحافظات الثلاث، لكن مهما كثرت هذه الحلول، فإن عدم مشاركة المواطن السوري في الانتخابات وخطف حقه السياسي المشروع يجعل من مجلس الشعب فاقداً للشرعية. وكل ذلك لا يعدو أن يكون عملية سلطوية تهدف إلى تجميل النظام من خلال ديمقراطية شكلية، لا أكثر.

في النهاية، تبقى هذه الانتخابات نموذجاً لديمقراطية شكلية، تهدف إلى إضفاء غطاء شرعي على استمرار النظام السلطوي، من دون أن تمنح المواطن السوري حقه السياسي المشروع. فالمواطن محجوب عن التأثير الفعلي في اتخاذ القرار، ويُستبعد عن المشاركة الحقيقية في الشأن العام، مما يجعل مجلس الشعب فاقداً للشرعية التي تمنحها مشاركة الشعب وإرادته الحرة. وهكذا، تتحوّل الانتخابات إلى أداة لإعادة إنتاج السلطة المركزية والتفرد بالقرار، بدلاً من أن تكون وسيلة لتعزيز الديمقراطية والمساءلة الحقيقية في سوريا.