بين لبنان وسوريا: الأزمات فرصة سياسية للأنظمة الفاشلة

فبراير 24, 2023

A-

A+

تعتبر الكوارث والمآسي الطبيعية جزء لا يتجزأ من الواقع الدولي، وتمثل تحديًا للأنظمة السياسية في كيفية التعامل معها. فعلى الرغم من انها تتسبب بخسائر كبيرة ومآسي للأفراد والمجتمعات، إلا ان بعض الانظمة السياسية تحوّل هذه المصائب الى فرصة لتجديد نفسها ولتعزيز سلطتها على الصعيد الداخلي وعلاقاتها على الصعيد الدولي.

قد شهدت الأحداث الأخيرة التي وقعت في لبنان وسوريا مثالين واضحين على ذلك، بالرغم عما نتج من انفجار 4 آب الذي اودى بحياة الكثيرين بالاضافة الى اصابة الالاف وتشريد عدد كبير من سكان المدينة التي تحول جزء منها الى انقاض. وبالإضافة الى ما لحقه من غضب شعبي وتظاهرات مطالبة باسقاط النظام والحكومة، الا ان المنظومة تمكنت من تحويل هذه المأساة لصالحها.

فبعد الانفجار زار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبنان وزار معظم السياسيين اللبنانيين وتعهد بدعم الشعب اللبناني، كما ان زيارته ساعدت في تأليف حكومة جديدة تكونت من نفس الطبقة الحاكمة السابقة التي تميزت بفسادها وأوصلت لبنان الى الانهيار الاقتصادي. كما تجلى دعم ماكرون الظاهري للمنظومة وبخاصة حزب الله. فسمح ذلك لحزب الله وأعوانه بتقديم أنفسهم كالخيار الوحيد امام الشعب. ورأى المجتمع الدولي ذلك على انها بادرة ايجابية للتعاون.

نفس النهج، ولكن في سوريا، إذ يستغل اليوم النظام السوري ما اصاب شعبه من مصائب جراء الزلزال الذي ضرب انطاكية لترسخ سلطتها عن طريق التطبيع الحاصل حديثًا في العلاقات الدبلوماسية بين بعض الدول العربية والنظام السوري. فمنذ بداية الحرب الاهلية في سوريا عام 2011، عزل المجتمع الدولي النظام السوري بسبب انتهاكه لحقوق الانسان ولاستخدامه للأسلحة الكيميائية. في الفترة الاخيرة بدأت بعض الدول العربية تستعيد علاقاتها مع الدولة السورية، فبادر الأسد بزيارة الى السلطنة العمانية واستقبله السلطان هيثم بن طارق ودارت محادثات رسمية بينهما في العاصمة مسقط، كما زار وزير الخارجية الأردني  دمشق لأول مرة منذ العام 2011، متناسين ما اقدم عليه النظام السوري ومبررين ذلك بأنه لمصلحة الاستقرار الاقليمي ومحاربة الارهاب. أما في الواقع فإن هذه الخطوات هي لتأمين المصالح الاقتصادية، ضمان عودة اللاجئين، وتمكين نظام بشار الأسد من التمسك بالسلطة.

 في الحالتين اللبنانية والسورية، توضّح كيف للكوارث الطبيعية والمآسي أن تعطي فرصة للطبقة السياسية الحاكمة لاعادة تسويق نفسها وكسب الرضا الدولي. كما ان باستخدامهم لهذه الأحداث أقدمت كل من الطبقة السياسية في لبنان والنظام السوري من تحويل انتباه جزء كبير من شعوبهم عن فشلهم، وعرضوا انفسهم كخيار وحيد للحصول على الحلول والاستقرار بالاضافة الى حصولهم على بعض الدعم من المجتمع الدولي. فساعد ذلك على ترسيخ حكمهم على الرغم من فشلهم وانتهاكاتهم السابقة. فلا بد على المجتمع الدولي بالأخص ان يبقى يقظًا ويحاسب هذه الأنظمة على أفعالها المرتكبة لأنها تشكل المأساة الدائمة والفعلية لشعوبها.