11 Sep 2025
Like this post
اندلعت الكثير من الحروب خلال السنوات الأخيرة كل واحدة منها تمثل أزمة عالمية على المستوى الإنساني والسياسي.
على صعيد أوروبا فهناك الحرب الروسية الأوكرانية التي جعلت القارة في حالة طوارئ وعلى أهبة الاستعداد.
في القارة الآسيوية لن ننسى النزاع الصيني ضد تايوان، والتوترات بين كوريا الشمالية والجنوبية التي تعززها الولايات المتحدة، وحرب الإبادة التي تشنها قوات الجيش الإسرائيلي على فلسطين سواء في غزة بشكل خاص أو الضفة الغربية بشكل عام.
لكن هناك حرب قلما ننتبه لها على الرغم من ضخامتها وخسائرها البشرية الكبيرة، وهي حرب السودان، أو كما أحب أن أقول الحرب المنسية، فهي حرب منسية إعلامياً، منسية على المستوى الإنساني من حيث إحصاء عدد الخسائر، و من حيث تعداد اللاجئين الذي خرجوا بأعجوبة إلى البلاد العربية والأجنبية.
السؤال هنا لماذا يا ترى، لا يسلط الإعلام الضوء بشكل كافٍ على حرب السودان؟
بداية حرب السودان
في البداية هل تعرف منذ متى بدأت حرب السودان؟ مع الأسف بالكاد نتذكر التاريخ الفعلي التي اشتعلت فيه الحرب هناك.
السودان شهدت الكثير من الصراعات على مرّ الأزمنة، منذ صراع التقسيم حتى الصراع الأخير بين الجيش وقوات الدعم السريع الذي بدأ في 15 نيسان 2023، أي قبل حرب غزة بأشهر معدودة، لكن الدعم الدولي والمحلي والإقليمي للسودان لم يكن في أي مرة كذلك المقدم لغزة.
نحن هنا لسنا في صدد المزايدة بل هذا دم وهذا دم أيضاً، لكن هناك أسباب
تقف وراء السكوت الإعلامي عن هذا الأمر.
يرى كثيرون أن هذه الحرب هي بين طوائف الشعب الواحد، وليس محتل أو قوى خارجية، فإذاً هي مشكلة داخلية أطرافها أصحاب الأرض، حتى لو كان هناك دعم خارجي لطرف على حساب طرف آخر، هذه ليست القضية، المهم هنا أن الأطراف المتنازعين سودانيون، فهنا تفقد الحرب إعلامياً شغف المتابعة من الجمهور وكأنها على سبيل المثال مسلسل مسلّي مثلاً، وليست حرب تزهق فيها الأرواح كل يوم.
من جهة أخرى، لا يمكن نكر أن البشرة السوداء تلعب دوراً، إذ لا تزال العنصرية موجودة بكثرة على هذا الكوكب، فعند المقارنة بين حرب غزة وحرب أوكرانيا على سبيل المثال، ظهرت نظرية الرجل الأبيض: إن كنت جميل العينين، ناصع البياض فأنت بالتأكيد الجيد في القصة وتستحق الدعم الدولي على مستوى الأصعدة، لكن إن كانت بشرتك تميل ولو قليلاً نحو السواد فأنت الشرير ولو كان الحق معك، ولن تستحق أي دعم. هذا يذكرنا أنه على الرغم من انتهاء احتلال الدول الأوروبية للقارة الأفريقية إلا أن العنصرية ونظرية العالم الأول والعالم الثالث لا تزال موجودة وبشدة حتى في عالم الإعلام.
وعند الغوص قليلاً، نصل إلى حقيقة موجعة: “لقد مللنا”. وهذا أقبح ما قد نراه في الإعلام، ففي بداية حرب السودان كانت التغطية ممتازة للأحداث، لكن مع الوقت أصبح الحدث لا يستجدي المتابعة، لقد مللنا وتعودنا على رؤية الدم المهدر، لقد رأينا ما يكفي من المذابح، لقد رأينا ما يكفي من القتل، لقد رأينا ما يكفي من النزوح، إذاً ما هو التريند المقبل؟
وهذا للأسف ما أصبح عليه الوضع، فأصبح الإعلام يبحث عن الجديد حتى تظل أرقام المشاهدات مرتفعة وليس كأن الإعلام هو رسالة ونقل للحدث، بل أصبح ما يرغب في مشاهدته الجمهور، ما الجديد.
ومن ناحية أخرى، إذا سألتك ما هو تعداد سكان السودان؟ أو المساحة
الجغرافية؟ أو هل هي من الدول الغنية أم الفقيرة؟.
الأسئلة البديهية حول الدولة نفسها لا يعرفها الكثيرون، فما لا تعرفه لا تستطيع دعمه ومتابعته بشكل جيد.
لسنين طويلة غفل الإعلام عن التحدث عن الدولة ومقوماتها، بل حتى كانت تظهر أخبارها في النشرات الرئيسية بشكل حثيث لا يُذكر، فأنت لا تعرف سوى أنهم أصحاب بشرة سوداء فقط، ولاجئون في أنحاء العالم، فلماذا ستتابع أخبار الحرب لديهم.
ولا بدّ من ذكر المغانم الاقتصادية الموجودة فيالسودان، إذ تمتلك أطنان من الذهب التي تطمع فيه الكثير من الدول، إلى جانب المناجم المختلفة من المعادن الأخرى، لذلك فإن تشتيت الإعلام عن تغطية أحداث الحرب هو أمر مدبر لسهولة السيطرة على ثروات البلاد من دون حتى محاسبة، لأنه في الأساس لا يوجد تغطية، فكيف ستعرف أن الثروات قد سُرقت من الأساس.
وبعد كل هذا يمكن القول إن حرب السودان ليست مجرد صراع داخلي عابر، بل مأساة إنسانية عميقة تذكّرنا بانتقائية الإعلام العالمي وبازدواجية المعايير في التعاطي مع القضايا.
وبين صمت التغطية وانشغال العالم بما يعتبره “أكثر أهمية”، يُترك ملايين البشر لمصيرهم من دون دعم أو حتى اعتراف بمعاناتهم.
إن تهميش هذه الحرب لا يفضح فقط انحياز المنصات الإعلامية، بل يكشف أيضاً خللاً في وعينا الجمعي: فما لا نعرفه نتجاهله، وما نتجاهله يتحول إلى كارثة بلا شهود.