26 Sep 2025
Like this post
قد تكون أقسى لحظة في تاريخ حزب الله ليست في الميدان، بل في “صورة” على صخرة الروشة. صورة بدت وكأنها تقول بوضوح: الحزب لم يعد قادراً على حماية قائده التاريخي، ولا حتى خليفته المرتقب! لم يحمِ نصرالله، ولم يحمِ هاشم صفي الدين، ولا القادة الذين سقطوا واحداً تلو الآخر… من عماد مغنية إلى مصطفى بدر الدين، من فؤاد شكر إلى إبراهيم عقيل وعلي كركي.
فأي مقاومة هذه التي تُقتل قيادتها يومياً، وتُستهدف قراها أسبوعياً، بينما تقف عاجزة عن الرد؟!
الحزب الذي وعد اللبنانيين بأن صورته ستصل إلى الجليل، لم يصل إلا إلى صخرة الروشة. والأدهى من ذلك أن هذه الصورة لم توحّد اللبنانيين حول المقاومة، بل فجّرتهم ضدها! تحوّلت المناسبة إلى خلاف داخلي، وإلى استعداء شريحة واسعة من اللبنانيين، بدلاً من أن تكون ذكرى جامعة لشهيد مؤسس.
هل هذا انتصار على إسرائيل؟ أم انتصار على بيروت ومذاهبها الأخرى؟!
من المؤكد أن حزب الله لم يعد قادراً حتى على التمركز جنوب الليطاني. القرار صار دولياً وحكومياً: لا سلاح إلا للجيش. لا ثلاثية بعد اليوم. انتهى شعار “جيش، شعب، مقاومة”.
وأصبح الحزب مضطراً أن يخوض معركته شمال الليطاني، معركة “كربلائية” بلا ربح، بلا قدرة على ترميم بيوت الجنوبيين، ولا على إعادة النازحين.
هروب إلى الأمام أم انتحار بطيء؟
الصورة على الروشة ليست سوى محاولة يائسة للهروب إلى الأمام. هل تعيد هذه الصورة شرعية السلاح؟ هل تمنح الحزب قوة إضافية؟ بالتأكيد لا. هل تغطي على عجزه السياسي؟ ربما، ليوم أو يومين… ثم ينكشف مجدداً.
المعادلة الجديدة: مواجهة الداخل بدل إسرائيل
بدلاً من مواجهة إسرائيل، صار الحزب يواجه الحكومة، يواجه بيروت، يواجه كل حلفائه الذين انفضّوا عنه: السنة، المسيحيون، الدروز، وحتى شيعة مستقلون.
ولم يعد السؤال: “هل يستطيع الحزب مواجهة إسرائيل؟”، بل أصبح “هل يستطيع الحزب أن يقنع اللبنانيين بأن سلاحه يحمي لبنان… لا أنه يهدّده من الداخل؟”.
الخسارة الوطنية
في النهاية، حزب الله يواجه لحظة الحقيقة: لا صورة على صخرة الروشة تعيد له هيبته، ولا خطاب “كربلائي” يعيد له شرعية سلاحه. لبنان اليوم ليس ملعباً للمزايدات، ولا حلبة لعرض صور على صخور البحر. لبنان يحتاج دولة واحدة وسلاحاً واحداً وجيشاً واحداً.
وإذا كان الحزب يظن أن بإمكانه التذاكي على اللبنانيين بصور رمزية واحتفالات جوفاء، فليتذكّر أن الشعب الذي تعب من الحروب والاغتيالات والدمار، لن يمنحه غطاءً جديداً.
التحدي واضح: إمّا أن يعود حزب الله إلى حضن الدولة، إلى الشرعية الوطنية، إلى قرار الحرب والسلم بيد لبنان كله، أو أن يعترف للبنانيين أنه اختار طريق الانتحار السياسي والعسكري وحده.
ومن لم يستطع حماية قادته، لن يستطيع حماية وطن.
وهكذا، فإن الصورة التي كان يُفترض أن تكون “رمزاً للهيبة”، تحوّلت إلى “شاهد على مأزق”، ومشهد يختصر انتقال الحزب من المقاومة إلى الانقسام، من الجنوب إلى الروشة، ومن الجليل إلى الفراغ.